بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله ومن والاه..
يقول الله تعالى: ﴿وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمْ الْوَارِثِينَ (5)﴾(القصص)، ويقول تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ الَّذِينَ كَفَرُوا زَحْفًا فَلا تُوَلُّوهُمْ الأَدْبَارَ (15)﴾ (الأنفال).
وسط هذه الأجواء الملبَّدة بالغيوم حول مستقبل قضية فلسطين، ووسط جولات المساومات، التي وصلت إلى أكثر من 300 جولة مفاوضات تنذر بأن هناك أمرًا بُيِّت بليل لوضع الفلسطينيين والعرب والمسلمين أمام أمر واقع يقر للعدو الغاصب بمطالبه في فلسطين والقدس!! ويتنازل عن ثوابت قطعية في الحقوق الفلسطينية، ووسط قنابل دخان حول رفض الحكومة العنصرية لحل الدولتين، ثم يكون الوصول إلى حل هزيل، يتم تصوير الأمر فيه وكأن العدو قدَّم تنازلاتٍ مؤلمةً بقبوله لحل الدولتين، وكأن العالم قد مارس ضغوطًا هائلة على ليبرمان ونتنانياهو لقبول ما رفضوه من قبل.
وسط هذه الأنواء والحصار الشديد للمقاومة، والتكالب الدولي لنزع سلاحها في غزة ولبنان، بعد نجاح نزع أسلحتها في الضفة الغربية؛ يحتاج العرب والمسلمون في هذه المرحلة إلى تحديد مسار واضح من أجل تحقيق الهدف الكبير لتحرير القدس وتحرير فلسطين، واسترداد المسجد الأقصى، وبناء دولة فلسطينية مستقلة عاصمتهاالقدس الشريف.
وأول ما يجب علينا هو: إحياء الذاكرة الوطنية القومية الإسلامية، واسترجاع تجارب الصمود والمقاومة والنجاح في تاريخنا الممتد؛ حيث نجح صلاح الدين الأيوبي، والسلطان قلاوون، والظاهر بيبرس في استعادة ما سلبه الصليبيون على مدار مائتي عام، فلسطينوساحل البحر المتوسط، وفكَّكوا ممالك الفرنجة التي كانت أوسع حملة استعمارية في القرون الوسطى عبر عملية تمت بمنهجية سليمة شملت:
- إحياء الأمة وبث روح الجهاد والتضحية.
- تصحيح أسلوب الحكم وإشراك العلماء والأمة وإحياء الشورى.
- بناء وحدة الأمة، خاصة في مصر والشام والعراق.
- بناء جيش قوي.
- مواجهة الطابور الخامس من المثبطين والمخذِّلين، والرد على شبهاتهم.
وثاني ما يجب فعله هو: وقف مسلسل التنازلات والاستسلام لشروط العدو، والانهيارات المتتالية التي أدت إلى تمدد المشروع العنصري الاستيطاني، وسعيه إلى بسط هيمنته وسيطرته على كل المنطقة العربية والإسلامية.
ثالثًا: دعم صمود الشعب الفلسطيني والإبقاء على وحدته الوطنية والقومية، ولمِّ شمل الفلسطينيين في الأرض المحتلة عام 1948م والقدس والضفة وغزة، وكذلك في الشتات بين مخيمات اللاجئين، وفي أوروبا وأمريكا، والإصرار على حق العودة لكل فلسطيني إلى أرضه ووطنه ودياره.
رابعًا: إيقاظ الوعي في الأمة العربية والإسلامية بأهمية وخطورة قضية فلسطين، وأنها ليست مجرد آمال ليهود تعرضوا للذبح والحرق في محارق النازية وأحلامًا في وطن قومي، بل هو مشروع استيطاني له وظيفة استعمارية، هدفها هو قطع الطريق على الوحدة العربية والإسلامية، وشلِّ قدرات الأمة العربية في بناء نهضة شاملة واستنزاف طاقاتها في صراع ممتد؛ وذلك عبر التمكين لنظم استبدادية وديكتاتورية فاسدة، تعمل على الإبقاء على ثلاثية التخلف والفساد والاستبداد التي تحطِّم مناعة الأمة وتحاصر كل محاولات النهضة والخروج من النفق المظلم.
خامسًا: استرداد إرادة الشعوب العربية والإسلامية، وبناء مجتمعات قوية قادرة على استعادة الوعي، ومزج الديمقراطية بالتنمية الاقتصادية والاجتماعية، والعمل على رفع شأن الوطن الخاص، جنبًا إلى جنب مع العمل على الوحدة العربية والسعي الدءوب إلى إحياء الكيان الدولي للأمة الإسلامية.
ولن يتم ذلك إلا بإصلاح النفوس، وتهذيب الأخلاق، وإحياء قيم الإيمان الحق، والتوكل على الله، والإعداد التام لكل عناصر القوة من علم وتخطيط وإدارة وتنمية شاملة، فضلاً عن العمل الجهادي والتضحية والصبر، والبعد عن كل ما يثير الشقاق والفرقة بين الأمة، ويثبط العزائم ويزرع اليأس بين الناس.
سادسًا: السعي إلى كسب رأي عام عالمي شعبي لصالح القضية الفلسطينية، عَبْر شرح أبعاد القضية لشعوب العالم، والعمل مع كافة منظمات المجتمع المدني في سائر الدول، والعمل على بناء قاعدة إعلامية قادرة على مواجهة الإعلام المضاد.
ويتواكب- مع ذلك كله- الضغط بكل الوسائل المشروعة على الحكومات الأوربية والأمريكية والمنظمات الدولية؛ لوقف دعمها للعدو الصهيوني، وإنهاء صراعها الممتد لقرون مع العالم الإسلامي، وإنهاء الحقبة الاستعمارية التي ما زالت ظلالها تخيم على علاقة أوربا وأمريكا بالعالم الإسلامي.
وبناء نظرية إسلامية للحوار مع الغرب تقوم على الاحترام المتبادل، والسعي لإحياء القيم المشتركة بين الأديان جميعًا، والعمل من أجل تحقيق الأهداف والمصالح المشتركة، وحل المشكلات بالحوار وليس بالعنف والحروب.
لقد مرَّ على هذا الصراع مع الاستعمار الغربي مائة عام، نجح خلاله الغرب- وفق خطط مرسومة بدقة- في زرع هذا الكيان الغاصب الاستيطاني في قلب الأمة العربية والإسلامية.. وأين؟ في الأرض المقدسة!! أرض الرباط، في بيت المقدس وأكناف بيت المقدس.
نجح الاستعمار في إنهاء الخلافة الإسلامية والقضاء على سلطنة آل عثمان آخر رمز الوحدة الإسلامية، ثم نجح في تمزيق الأرض العربية إلى 22 دولة أو دويلة، وزرع الخلافات والنزاعات بينها فصارت تتحارب على الحدود والثروات، وماتت الجامعة العربية بسبب الخلافات!!.
بل نجح العدو في زرع الشقاق في الصف الفلسطيني نفسه، وأصبح البعض يحارب المقاومة وينزع أسلحتها؛ إرضاءً للعدو، ورضوخًا لضغوطه، وسعيًا وراء سراب المفاوضات، وخشيةً على نفسه من القتل والذبح، كما حدث مع عرفات رحمه الله.
إلا أن العدو لم ينجح ولن ينجح في إنهاء جذوة المقاومة الصُّلبة، ولم يخدع الشعب الفلسطيني الذي ما زال متمسكًا بثوابته الوطنية وحقوقه المشروعة؛ وفي مقدمتها حق العودة، ولم ينجح في خداع شعوب الأمة العربية والإسلامية، التي ما زالت ترفض التطبيع وتتمسك بخيار المقاومة لإنهاء الاحتلال.
- علينا اليوم واجبات ثقيلة وأعباء جسيمة لإيقاظ وعي الأمة، ولتقوية وحدتها وتنمية قدراتها واستعادة إرادتها.
- وعلينا اليوم واجبات ضخمة بدعم صمود الشعب الفلسطيني وخاصة حركات المقاومة.
- ولا بد أن ندرك أن هذا صراع ممتد، وسيتم تحرير الأرض الفلسطينية والقدس والمسجد الأقصى بإذن الله عبر مراحل متتالية.
- وأن ندرك أن صراعنا مع العدو هو صراع على كل الجبهات وفي كل الميادين، وليس مجرد معركة هنا أو هناك، ولن يحسم في ميدان القتال فقط، بل إن ميدان القتال الحربي هو آخر ميادين حسم ذلك الصراع.
- ولا بد أن نتسلح بالأمل، وأن نورث الأجيال تلو الأجيال الوعي بأبعاد هذا الصراع الممتد عبر الزمن؛ لتتراكم الخبرات حتى يتحقق النصر في نهاية المطاف بإذن الله تعالى..
﴿وَيَقُولُونَ مَتَى هُوَ قُلْ عَسَى أَنْ يَكُونَ قَرِيبًا﴾ (الإسراء: من الآية 51).
والله من وراء القصد وهو يهدي السبيل..
والله أكبر ولله الحمد.